اخبار بلجيكا

هل تتحد مملكة بلجيكا أم تتكسر في ظل حكم الفلمنكيين !!

في خطابه الأخير، وهو يُسلم المنصب لإبنه ـ خليفته، بعد عشرين سنة من الحكم ؛ قال الملك البلجيكي البرت الثاني في 21 يوليو 2013: «أنا مقتنع بأن حماية تماسك الدولة الإتحادية أمر حيوي ليس من أجل العيش معا بسلام، بل للحفاظ على رفاهية الجميع أيضا».

إن أهمية هذه الوصية الملكية أنها صادرة عن تجربة في الحكم، شخصية وغنية وواقعية ؛ فمنصب الملك في هذا البلد، ليس شرفيا، بل لديه صلاحيات مهمة على صعيد الحكم والوضع السياسي في بلده مقارنة مع العديد من زملائه الاوروبيين بدءا من ملكة بريطانيا اليزابيت الثانية، مرورا بالملك السويدي السادس عشر غوستاف، وانتهاء بجاره الهولندي وليم – الكسندر، فهؤلاء يملكون ولا يحكمون، في حين ان توقيع ملك بلجيكا، وحسب الدستور البلجيكي الحالي على كل القرارات ضروري حتى تصبح نافذة، كذلك هو يعين الوسطاء ورؤساء الحكومات المحتملين لإدارة المحادثات الإئتلافية بعد الإنتخابات الإشتراعية… مما لا شك فيه ان وصية الملك البرت الثاني تطرح موضوعا مهما لمعالجة الصراعات السياسية في بلجيكا بين مكونات المجتمع البلجيكي الذي يتشكل من الفلامنكيين في الشمال، الناطقين باللغة النيبرلندية، ومن الفرانكوفيين في الجنوب الناطقين باللغة الفرنسية، ونسبة صغيرة من المواطنين الناطقين باللغة الالمانية، وذلك للحفاظ على تماسك الدولة الاتحادية.

 

Advertisements

في هذا الإطار، وفي هذه المرحلة يرى المراقبون للوضع السياسي في بلجيكا ان هذه الوصية تتعرض لصدمات قد تطيح بها، من اهم هذه الصدمات يأتي تشكيل حكومة جديدة بعد مرور اربعة أشهر على الانتخابات البرلمانية في 25 مايو الماضي والنتائج التي اسفرت عنها.

 

صحيح ان تشكيل الحكومة الجديدة استغرق أربعة أشهر فقط وهذا جيد، في حين ان الحكومة السابقة تطلبت 18 شهرا للتشكيل، ومن اهم ميزاتها الرئيسية ان رئيسها «شارل ميشيل» ليبرالي فرانكوفوني رئيس الحركة الاصلاحية في سن الـ38، اي اصغر رئيس وزراء منذ العام 1841، تنتمي هذه الحكومة لـ«يمين الوسط «، وانها اولا الحكومة الاولى التي تضم في تشكيلتها وزراء يمثلون حزبا فلمنكيا انفصاليا هو حزب «الاتحاد الفلامنكي الجديد»، الفائز الاول في منطقة الفلاندر، في الشمال، مع 32 نائبا من اصل 87 ويشارك لأول مرة في الحكم على اساس فيديرالي، مع ثلاثة احزاب فلمنكية اخرى الى جانب حزب «الحركة الاصلاحية» الذي يرأسه رئيس الحكومة الجديدة، علما ان رئيس حزب الاتحاد «بارت دي ويفير» رفض تولي رئاسة الحكومة الجديدة وفضل البقاء كرئيس لبلدية «أنفير» التي فاز بها بعد صراع مرير مع الحزب الاشتراكي البلجيكي؛ وثانيا هي اول حكومة تستبعد الاشتراكيين من الحكم منذ 1988؛ وثالثا هي الاولى التي تضم حزبا واحدا من الاحزاب الوالونية التي تُمثل الناطقين باللغة الفرنسية منذ العام 1957 ؛ ورابعا هي الاولى حيث ان الوزارات الرئيسية يشغلها الفلامنكيون: كالدفاع، الداخلية، المالية، الوظيفة العامة، المنفى والهجرة، العدلية، الاقتصاد والتجارة الخارجية، والعمل، والشؤون الاجتماعية…، وكان نصيب رئيس الحكومة الجديدة من الوزارات المهمة: وزارة الخارجية فقط.

 

وقد علقت صحيفة «لو سوار» البلجيكية اليومية على تشكيلة هذه الحكومة بالقول: «ان كل الصلاحيات والإمكانيات هي من نصيب الاحزاب الفلمنكية».

 

من الصدمات التي واجهت الحكومة الجديدة ايضا كان في بنود البرنامج الذي تبنته والذي استوجب مناقشات ومفاوضات ساخنة مدة ثلاثين ساعة دون انقطاع. تعاني بلجيكا ركودا اقتصاديا، يتوقع الاخصائيون ان لا يتجاوز النمو الاقتصادي حدود الواحد في المئة السنة القادمة، الى جانب ذلك دين عام هو بين الاعلى في منطقة اليورو، لذلك صرح رئيس الحكومة ازاء هذا الواقع قائلا: «لقد عقدنا اتفاقا حول الحكومة واتفاقا حول الموازنة العامة للوصول الى موازنة متوازنة عام 2018 «، وليس عام 2016 حسبما ترغب المفوضية الاوروبية؛ ومن اهم النقاط التي تضمنها البرنامج كما رأى رئيس الحكومة ان حكومته الاتحادية تتميز بـ«الشجاعة والمسؤولية»، وستركز على «خلق الانشطة وفرص العمل» ثم لجم العجز العام واصلاح سوق العمل وتحرير الطاقة واصلاحات جذرية في انظمة الصحة ومكافحة البطالة وتصحيح العمر الشرعي للخروج الى التقاعد من سن الـ65 كما هو اليوم الى سن الـ66 عام 2025 وسن الـ67 عام 2030، وزيادة الاجور في القطاع العام ستكون محدودة جدا ما عدا الاجور الاكثر تدنيا، مع خفض اعداد الموظفين في هذا القطاع الذي يوفر حوالى 12 مليار يورو. سينتج عن هذه الخطة توفير حوالى 3،5 مليارات يورو من خفض أعباء المؤسسات العامة، اما الضغط الضرائبي على الاجور فسينتج عنه توفير حوالى 400 مليون يورو، ستفرض رسوم جديدة على عائدات الميراث مما يغذي خزينة الدولة بعدة مئات ملايين اليورو واخيرا فرض بعض الرسوم عبر «الضريبة على القيمة المضافة».

أحدث الاعلان عن هذه الخطة عاصفة من الانتقادات الحادة وخصوصا من النقابات المتعددة في طليعتها النقابات العمالية التي رأت أنها إذا لم تتحرك بسرعة وبقوة فان جميع مكتسباتها طيلة فترة نضالها التي حصلت عليها ستتقلص تدريجيا، لذلك اخذت تحضر افرادها للنزول الى الشارع من ضمن خطة مدروسة لمواجهة كل من يحاول المس بهذه المكتسبات.

 

ثم بدأت المعارضة السياسية، بقيادة الحزب الاشتراكي، تتحضر هي الاخرى لدراسة هذا البيان واعطاء رأيها في بنوده ودرجة توافق هذا البيان مع المصلحة البلجيكية العليا.

 

في هذا الاطار قال رئيس الحزب الاشتراكي «اليو دي روبو»: «عندما وصلت الى السلطة، أي في حكومته السابقة، امتدح الكثير التقشف، أي اتخاذ اجراءات تقليص النفقات العامة بقوة، لكني لا أعتقد أن ذلك هو العلاج الصحيح»، وهذا ما ستلجأ اليه الحكومة الجديدة، وحذر «دي ريبو» الحكومة من اللجوء الى عملية التطهير في الادارة العامة ودعم التنافسية المضرة بالمواطنين، مطالبا بتوضيحات وتقديم اعتذار بعد التصريحات التي ادلى بها وزير الداخلية الجديد « يان يامبون » بشأن «التعاون مع النازيين»، عندما قال الوزير: «ان الناس الذين تعاونوا مع الالمان النازيين كان لديهم عذرهم «، كما ادان «دي ريبو» تصريحات وزير الدولة المكلف شؤون اللجوء والهجرة، التي «وُصفت بأنها عنصرية»، ثم تناول «القائد الاشتراكي» تاريخ واهداف التحالف الفلمنكي الجديد وسعي قادته وقاعدته الدائم لإستقلال إقليم فلاندر والغاء الدولة الفيديرالية، كما تخوف هذا القائد الهيمنة اليمينية على السلطة التنفيذية من عدم التوازن بين مكونات المجتمع البلجيكي استنادا الى توزيع الحقائب الوزارية، وخصوصا ان الاتفاق الذي عُقد بين المشاركين تضمن ان عمر الحكومة سيكون خمس سنوات؛ متابعا نقده بالقول «إننا ذاهبون نحو سيناريوهات تُحضر لتقسيم البلد، إنه خطر كارثي ما يجري في بلد لم يُحكم بتاتا من قبل اليمين منذ الحرب العالمية الثانية» مُختتماً ان الفرانكوفيين اصبحوا أقلية صغيرة في الدولة الفيدرالية مما حدا بأحد المحللين السياسيين الى الاستنتاج إن عدم رضى هذه الطائفة عن الوضع الجديد الذي يُمكن ان ينفجر فتخفي المملكة وتُقسم بلجيكا الى دولتين؟!

 

 

د/ عفيف رزق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock